“مشكلة العالم أن الأغبياء والمتشددين واثقون بأنفسهم أشد الثقة دائما، أما الحكماء فتملؤهم الشكوك”
برتراند راسل – فيلسوف وكاتب مشهور

بالتأكيد عند قراءتك هذه المقولة تبادر إلى ذهنك أشخاص ممن تعرف ليس لهم أي معرفة بالمجال الذي يتحدثون فيه، رغم الثقة العمياء التي يمتلكونها والتي قد تتخطى ثقة بعض المتخصصين!
لفت هذا الأمر انتباه عالمين وهما: ديفيد دانينج David Dunning و جاستن كروجر Justin Kruger، وقاما بتجربة توصلا من خلالها إلى نظرية
Dunning Kruger effect، والتي تفسر “لماذا يثق الجاهل بنفسه؟”


التجربة:

قام الباحثان بالتجربة على ثلاثة من الطلاب الجامعيين، وطلبا منهم أن يقيموا أنفسهم في:
1. خفة الظل sense of humor
2. القواعد Grammar
3. التفكير المنطقي logical thing

كانت نتيجة التجربة مذهلة:

⦁ قيم الأغلبية أنفسهم بمستوى فوق المتوسط(أكثر مما هم عليه فعليا).
⦁ رأى أصحاب الأداء الأسوأ في الاختبار أنفسهم أعلم بكثير مما هم عليه.
⦁ بينما رأى أصحاب أفضل أداء أنهم أقل علمًا مما هم عليه حقيقة.

فيمكن أن نخلص من نتيجة التجربة إلى: أن تذوق قليلا من المعرفة = تَوَهُّم امتلاك كل المعرفة، بينما يؤدي اكتساب المزيد من المعرفة -بالبحث والقراءة والتعلم المنهجي- إلى الانخفاض التدريجي في الثقة حتى تبلغ الثقة مستوى متزن يتناسب مع كمِّ المعرفة.

في دراسة أخرى أُجريت على بعض السائقين الأمريكيين لِيُقَيِّمُوا أنفسهم في القيادة كانت النتيجة أن 88% يرون أنهم يحسنون القيادة وأن غيرهم لا يحسن.

نخلُص من نتيجتى التجربتين السابقتين إلى أن هناك صنف من الناس “يجهل أنه يجهل” وهذا الصنف يوصف بالجهل المركب.

من أبرز سمات الجاهل المركب أنه دائم السعي إلى التصدر.

بينما يتسم العالم بالتوضع والهدوء والبعد عن التصدر ودائم الوصف لنفسه بالجهل رغم كونه ربما يعلم الكثير حقيقةً.
ومثال ذلك أنه جاء رجل إلى الإمام مالك من مسيرة ستة أشهر فسأله عن مسألة، فقال: لا أحسنُها، فدُهِش الرجل وقال: فأيّ شيء أقول لأهل بلدتى إذا رجعت لهم؟ قال: تقول لهم: قال مالك: لا أحسن.

إن حب أنفسنا وحرصنا على الظهور بأفضل صورة أمام الناس قد يدفعنا أحيانا إلى الخوض فيما لا نعلم لئلا يُقال أننا “نجهل”!

لكن العكس هو ما قد يظهر للناس؛ فقد يرون أننا نتحلى بقدر من العلم والحكمة يمنعاننا من الخوض فيما لا نعلم.

“كلما ازددت علما ازددت علما بجهلي”

ألبرت أينشتاين
شرح أينشتاين مقولته تلك فقال أن الجهل مثاله مثال الورقة السوداء، وفي وسطه نقطة بيضاء تمثل العلم، وكلما ازدادت المعرفة ازدادت المعرفة بازدياد الجهل.

لكن هذا النوع الأخير قد يظن أن الناس يعلمون ما يعلم هو، ومثاله أساتذة الجامعات الذين يسهبون في الشرح دون توقف لتوضيح ما يَلْغُزُ أو يَغْمُضُ في أذهان الطلاب، فتحدث الفجوة بين أستاذ يندهش من عدم فهمه طلابه لهذا الشرح السهل في تصوره، وبين طالب يندهش من استغراق الأستاذ في الشرح دون توضيح!

 

الملخص:

⦁ عندما يبدأ الإنسان باكتساب نوع معرفة يظن أنه يعلم الكثير عنه ويرى نفسه عالما على غير حقيقته.
⦁ كلما ازدادت معرفة الشخص في علم ما بالتعلم والقراءة والبحث بمنهجية واضحة تراجعت ثقته بنفسه؛ لأنه امتلك من العلم ما جعله يدرك أنه يجهل الكثير عنه.
⦁ مع الاستمرار في التعلم يصل الإنسان إلى درجة من الخبرة تجعله يكتسب ثقةً تناسب ما يملك من العلم.

حل الثقة بالجهل:

1- إدراك محدودية علمك بالأشياء، وأن هناك من هو أعلم منك “وفوق كل ذي علم عليم”، وأن هناك من هو أفضل منك في شيء ما.
2- لا تسع للجدال وإثبات وجهة نظرك، يقول النبي “أَنا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا” حديث صحيح.
ربض الجنة: أعلاها
3- الاستعانة بخبير تثق في علمه حتى تدرك موقعك في العلم ويتزن مستوى ثقتك مع علمك.
4- لا تتوقف عن التعلم؛ لئلا تظن في نفسِكَ غيرَ ما هي عليه فتزداد ثقتك أو تنقص بما لا يتناسب مع علمك.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *